لم يكن حبا من طرف واحد بل كان وهما كبيرا استغرق من ربيع عمرها أكثر مما يجب حتي أفاقت منه ، أخيرا أدركت بديهية من بديهيات الحياة أن أي علاقة ثنائية لا يمكن أن تتم من طرف واحد ، مثلا المحادثة بين شخصين هل تسمي كذلك إذا كان أحدهما فقط يتكلم والآخر لا يبالي ولايسمع ؟
في الحقيقة هي لا تستطيع أن تلومه أو تتهمه أنه غرر بها أو استدرجها ، لكنها هي المسئولة الأولي عما حدث ، هناك في داخلها حيث يسكن قلبها الصغير ومشاعرها الجياشة انطلقت الشرارة الأولي ، كان موقفا عاديا عندما تحدثت إلي زميلها وجارها بخصوص بعض الكتب التي أحضرها لها من الكلية وسلمتها له زميلتها التي تعرف أنه يسكن بجوارها ، سلمها الشاب الأمانة وأبدي استعداده لأي خدمة لها ، ولا تعرف هي ماذا قال بالضبط ولكن ولأول مرة تشعر أنها تستمع بقلبها وأنها تخشي لو سمع هو صوت دقاته .
انصرفت وهي تشعر أنها مثل باقي البنات أصبح لديها سرها الذي تفكر فيه وترعاه فيؤنس وحدتها ويجعلها تري الحياة أجمل ، من مواقف بسيطة وكلمات متناثرة ونظرات عفوية نسجت قصت حبها وأخفتها في صدرها ،كانت تستمع لموسيقي داخلية تعزفها براعم تفتحت بداخلها لم تكن تدركها من قبل ، وتشعر أنها لاتسير علي الأرض بل تتمايل داخل لوحة إيقاعية تكمل معزوفة الحب ، صارت ترفض فرص الزواج المختلفة والحجة الجاهزة أريد أن أنهي دراستي أولا ، في الحقيقة كانت تنتظر فارسها الرائع الذي لن ترضي عنه بديلا.
حتي كان ذلك اليوم الذي استقلت فيه الأتوبيس في طريق عودتها للبيت وبعد محطة واحدة وجدته يقف أمامها ، لم تكن تعرف هل هي صدفة أم مقصودة ، ولكنها كانت متأكدة أن اليوم هو يوم الحسم .
بعد قليل أثناء مرور رجل كبير السن من خلف بطلها وفارسها تعثر فيه ، وقبل أن يقوم الرجل من عثرته زلزلها صوت الفارس ( مش تفتح يا أعمي ) بسرعة اشتعلت الخناقة التي أبلي فيها الفارس بلاء حسنا يدل علي سوء تربيته وموت التعاطف في قلبه ، كانت مظاهرة في الأتوبيس والجميع مستاء من جلافة الشاب وغلظ قلبه .
انقشعت الغشاوة عن عينيها ولفظ الحب الموهوم أنفاسه الأخيرة مخلفا وراءه بعض الحزن والدهشة والإحباط ، مر بعض الوقت وهي تعيد النظر لفارسها السابق بعد اتضاح الرؤية أمام عينيها وفي كل يوم كانت جراحها تشفي ، وتدريجيا انقلب الحب إلي مشاعر تجمع الازدراء والرثاء والنفور .
عندما جاء نصيبها تزوجت رجلا رائعا في ظل رضاء الأهل ومباركتهم ومع زوجها عرفت معني الحب الحقيقي ، وأن الأساس الأول للحب أن يكون متبادلا وعلي أرضية من التفاهم والتقارب في البيئة والشخصية ووجهة النظر للحياة ، رغم ستر الله لها في قصتها القديمة التي لم يشعر بها أحد ، إلا أنها صار لديها حساسية تجاه كلمة الحب المبتذلة في الأعمال الدرامية والغنائية والتي تمهد طريق الخطر أمام الفتيات وتشحنهم عاطفيا ليصبح من السهل السقوط أمام الفارس الخطأ ، والتي تروج لمفهوم مغلوط تماما يتستر بكلمة الحب النبيلة .
يقول تعالي في الآية الكريمة في سورة الروم ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )
الحب ينشأ تحت ظلال الزوجية والشرعية ولا ينمو في الشوارع والأتوبيسات ،وبين زوجين متكافئين متفاهمين يتم تبادل أجمل المشاعر وأصدق المواقف ، وتتم فصول قصة حب حقيقية وليست مجرد علاقة مشوهه تتستر بالأوهام ، يولد الحب في النور ليفخر به الجميع ويهنئون أصحابه .
ليت الفتاة تتروي وتتريث وتحتفظ بمشاعرها الغضة للزوج الذي يستحقها ولا تهدرها وتنثرها علي من لاتعرف ، وليتها تنتظر لتعرف روعة الحب المتبادل وانعكاس صورتها الجميلة في عيون زوجها ، وقتها ستعرف أن ما يسمي حبا من طرف واحد هو امتهان لكرامتها وتهديد لسمعتها ووهم تعيشه بلا طائل.